رام الله 15-3-2017 وفا- شدد وزير الثقافة إيهاب بسيسو مساء اليوم الأربعاء، على أن مشاريع الاحتلال الاستعمارية تهدف إلى طمس الهوية وتفتيت الذاكرة.
وجاء ذلك في كلمته خلال ندوة "حول الهوية الوطنية الفلسطينية"، في متحف ياسر عرفات، وضمن فعاليات يوم الثقافة الوطنية، التي تحدث خلالها الكاتب والباحث بكر أبو بكر.
وذكر بسيسو، خلال تقديمه للكاتب أبو بكر أن هذه الندوة تكتسب أهمية خاصة، وتؤسس لنقاش هام وجاد حول موضوعها، خاصة أنها تأتي في ذكرى مرور مائة عام على وعد بلفور المشؤوم، وخمسين عاماً على حرب حزيران واحتلال القدس، وثلاثين عاماً على الانتفاضة الأولى في العام 1987.
وقال: هذه التواريخ مجتمعة، وبما تحمله من دلالات، تحيلنا إلى حجم التحديات التي تواجهها الهوية الوطنية، ونحن حين نتحدث عن الهوية الوطنية، فإننا لا نتحدث عن مسألة افتراضية في سياق تعريفنا لأنفسنا، ولدورنا، وللآخر، بقدر ما نحتاج إلى بلورة رؤيتنا للهوية الوطنية كأداة من أدوات النضال الوطني الفلسطيني، وكركن أساسي من مقومات الصمود الوطني الفلسطيني، فالاحتلال الإسرائيلي في مشاريعه الاستعمارية والاستيطانية يهدف بشكل واضح إلى طمس الهوية وتفتيت الذاكرة، وخلق جماعات بشرية غير مترابطة في سياق الوطن الجامع، وغير مترابطة في إطار القضية الوطنية، وهو ما يجعل من المراجعة المستمرة لهذه القضية مسألة ملحة.
وبدوره، شدد الكاتب أبو بكر على أهمية الثقافة واللغة كعوامل جامعة وناظمة للهوية الوطنية، خاصة في ظل الظروف التي تعيشها فلسطين والمنطقة هذه الأيام.
وأكد أهمية الشعار الذي رفعته وزارة الثقافة لفعاليات يوم الثقافة الوطنية "الثقافة مقاومة"، التي انطلقت في الثالث عشر من آذار، وتتواصل حتى الحادي والثلاثين من الشهر الجاري.
وأشار إلى أن "الهوية الوطنية الفلسطينية عنوان كبير خاصة في هذه المرحلة التي نعيشها، مع صراع الهويات، وبروز هويات جديدة"، متحدثاً عن المفهوم العام للهوية الوطنية، والمفهوم الخاص للهوية الوطنية الفلسطينية.
وتحدث أبو بكر عن ثلاثة مشاهد ساهمت في رسم شيئاً من ملامح وشكل هذه الهوية، أولها في العام 1974 حين توجه الرئيس الشهيد ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة ليرسم من كان اختطه مع أخوته من رواد الحركة الوطنية الفلسطينية في هذا المنبر العالمي بتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية عبر كيانية منظمة التحرير الفلسطينية، والثاني إعلان الاستقلال في العام 1988، ومن ثم توجه الرئيس محمود عباس في العام 2012 إلى منبر الأمم المتحدة ليعلن انطلاق تحويل جديد من كيانية ارتبطت بمنظمة التحرير إلى كيانية الدولة.
ولكنه أشار إلى أن العديد من المحللين والكتاب والمفكرين يعتبرون أن نشوء الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة سبقت ذلك بكثير، بل إنها كانت في سياق آخر، مضيفا: فهناك من يرى أنها نشأت في العام 1916 كرد فعل على سايكس بيكو، ووعد بلفور في العام 1917، والوجود البريطاني لاحقاً، في حين يرى آخرون في العام 1947 معلماً أساسياً لا يمكن تجاوزه في إظهار الكيانية للشعب الفلسطيني، بينما يرى فريق ثالث أن بروز الهوية الوطنية جاء كرد على الحركة الصهيونية.
ولفت أبو بكر إلى أن الهوية الوطنية الفلسطينية، كما حال هويات وطنية أخرى، كانت مندمجة مع الهوية العربية، والهوية الإسلامية، بحيث كان الإنسان يعرف نفسه ما قبل نشوء القوميات في أوروبا، ومن ثم الوطنيات في العالم العربي بأنه مسلم، أو عربي، وهكذا.
وأشار إلى أن الظاهر عمر الزيداني كان من أوائل من وضع أسس الكيان الفلسطيني أو الدولة الفلسطينية في ظل الحكم العثماني الذي حاربه، وإن كان تمدد إلى ما أبعد من فلسطين التاريخية، فكان من وضع أول مدماك للهوية الوطنية الفلسطينية حتى ما قبل الصهيونية، بدولته التي استمرت لستين عاماً والتي كانت دولة ذات بعد مدني.
كما أشار إلى دور عز الدين القسام، دون إغفال تواصل النضال الفلسطيني ما قبله وبعده، حيث دمج المفهوم القومي والديني بالمفهوم النضالي الفلسطيني، وقدم العمق المنظم والجمعي لهذا النضال.
وتطرق إلى دور الرهبان الأرثوذوكس في القرن الثامن عشر في التحذير من الخطر الصهيوني القادم إلى فلسطين، والهجرات الصهيونية إلى فلسطين، ليتحدث عن الرئيس الشهيد ياسر عرفات كأحد أبرز باعثي الهوية الوطنية الفلسطينية الحديثة، كوعاء ومشاركات ودستور غير مكتوب.
وفي وقت تطرق فيه أبو بكر للحديث عن التحديات وغيرها من المحاور المتعلقة بالهوية الفلسطينية، دار نقاش حيوي وثري شارك فيه نخبة من أصحاب الرأي والمختصين والمهتمين، ما جعل وزير الثقافة يعتبر الندوة مؤسسة لمزيد من النقاشات في موضوعاتها المتعلقة بالهوية الوطنية الفلسطينية.